الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
فإن شرطا الخيار، ثم اختارا إمضاء العقد.. لزم العقد، وانقطع الخيار، كما قلنا في خيار المجلس.
وقال ابن أبي ليلى: الشرط باطل: والبيع صحيح. وقال ابن شبرمة: الشرط صحيح، والبيع صحيح. وقال مالك: (إذا اشترطا الخيار، ولم يقدراه.. صح). وجعل لهما من الخيار قدر ما يختبر به المبيع في العادة. دليلنا: أنها مدة ملحقة بالعقد، فلم يجز مع الجهل بها، كالأجل.
أحدهما: لا يصح هذا الشرط؛ لأنه حكم من أحكام العقد، فلم يجز أن يجعل إلى غيرهما، كسائر أحكامه. فعلى هذا: يبطل البيع. والثاني: يصح الشرط؛ لأن شرط الخيار أجيز هاهنا للأجنبي رفقا بهما للحاجة، وقد تدعو الحاجة إلى شرطه للأجنبي، بأن يكون أعرف بالمتاع المبيع منه. فإذا قلنا بهذا: ثبت الخيار للأجنبي، وهل يثبت للبائع؟ فيه وجهان: أحدهما: يثبت له؛ لأنه إذا ثبت للأجنبي من قبله.. فلأن يثبت له أولى. والثاني: لا يثبت؛ لأن ثبوته بالشرط، ولم يشترطه إلا للأجنبي. فإن باع عبدا، وشرط الخيار للعبد.. قال ابن الصباغ: فهو على القولين، كما لو شرطه للأجنبي. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذا قال: بعتك هذه السلعة على أن أستشير فلانا، أو أستأمر فلانا.. لم يكن له أن يرد حتى يقول: قد استأمرت فلانا، فأمرني بالرد). فمن أصحابنا من قال: هذا على القول الذي يقول: إنه إذا شرط الخيار للأجنبي.. صح، وكان له دون الذي شرط. ومنهم من قال: له أن يرد، ويجيز من غير أن يستأمر فلانا. ولم يذكر الشيخ أبو حامد غير هذا؛ لأن له أن يفسخ من غير ذكر الاستئمار، فلا يسقط بذكر الاستئمار، وتأولوا كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تأويلين: أحدهما: ليس له أن يرد احتياطا حتى يستشيره، ويأمره؛ لأنه ربما كان أعرف منه بالمبتاع. والثاني: ليس له أن يرد، ويقول: استشرت فلانا، فأمرني بالرد، إلا وقد فعل؛ لئلا يكون كاذبا. فإذا قلنا بالأول.. فهل يجوز إطلاق هذا؟ فيه وجهان: أحدهما: يجوز إطلاقه، ولا يكون مقدرا، كخيار الرؤية لا يتوقف. والثاني - وهو المنصوص -: أنه لا يجوز إلا مؤقتا ثلاثا، أو ما دونها؛ لأنه خيار شرط.
أحدهما: وهو الصحيح -: أنه من حين العقد؛ لأنه مدة ملحقة بالعقد، فكان ابتداؤها من حين العقد، كالأجل. فعلى هذا: إذا اصطحبا في مجلس العقد أربعة أيام.. كان الخيار لهما في مدة الثلاث بالشرع والشرط، وفيما بعد الثلاث بالشرع، وإن شرطا أن يكون ابتداء الثلاث من حين التفرق.. بطل البيع، وجها واحدا؛ لأن ابتداء الخيار يكون مجهولا. والوجه الثاني: أن ابتداء خيار الشرط من حين التفرق؛ لأن ما قبل ذلك الخيار ثابت فيه بالشرع. فعلى هذا: إذا اصطحبا في مجلس البيع أربعة أيام، ثم افترقا قبل الفسخ أو الإجازة.. فإن في الأربع الخيار ثابت فيها بالشرع، وما بعدها الخيار ثابت فيها بالشرط. فإن اشترطا على هذا أن يكون ابتداء خيار الشرط من حين العقد.. ففيه وجهان: أحدهما: يصح الشرط والبيع، وهو الصحيح؛ لأن ابتداء الخيار يكون معلوما. والثاني: لا يصح الشرط؛ لأنه يسقط موجب العقد، وهل يبطل البيع؟ فيه وجهان مأخوذان ممن شرط إسقاط خيار المجلس في عقد البيع، وقلنا: لا يصح الشرط.. فهل يبطل البيع؟ فيه وجهان، وقد مضى ذكرهما.
وقال مالك: (يكره؛ لأنه يصير في معنى بيع وسلف، ولأنه إذا نقده الثمن، ثم تفاسخا.. صار كأنه أقرضه، فيجتمع بيع وقرض). دليلنا: أن هذا حكم من أحكام العقد، فجاز في حال الخيار، كالإجارة. فإن باعه على أنه لم ينقده الثمن في ثلاثة أيام فلا بيع بينهما.. فإن هذا ليس بشرط للخيار، بل هو شرط فاسد، ويفسد به البيع. وكذلك: إن قال البائع: بعتك على أني إذا رددت الثمن بعد الثلاث فلا بيع بيننا.. فإن هذا ليس بشرط للخيار، بل هو شرط فاسد يبطل به البيع. وقال أبو حنيفة: (يصح البيع، ويكون في المسألة الأولى إثبات الخيار للمشتري وحده، وفي الثانية إثبات الخيار للبائع وحده). دليلنا: أنه علق فسخ العقد على شرط، فلم يصح، كما لو علقه بقدوم زيد، ولأنه إذا لم يجز تعليق تمامه على غرر.. لم يجز فسخه على غرر.
وقال أبو حنيفة: (لا يجوز بغيبة صاحبه). دليلنا: أنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه، فلم يفتقر إلى حضوره، كالطلاق، وفيه احتراز من الإقالة. فإن كان المبيع جارية، فأعتقها البائع في حال الخيار، أو وطئها، أو باعها، أو وهبها، أو أجرها.. فإن ذلك يكون اختيارا منه لفسخ البيع؛ لأنه يملك الفسخ، فجعل ذلك اختيارا للفسخ. وإن أعتقها المشتري.. كان ذلك اختيارا منه لإمضاء البيع. وإن باعها، أو وطئها، أو وهبها، أو أجرها.. فهل يكون ذلك اختيارا منه للإمضاء؟ فيه وجهان: أحدهما قال أبو إسحاق: لا يكون اختيارا؛ لأن ذلك لا يمنع الرد بالعيب. والثاني - وهو الصحيح -: أنه يكون اختيارا للإمضاء؛ لأن ذلك يفتقر إلى الملك، فكان اختيارا للإمضاء، كالعتق. وإن وطئها المشتري بحضرة البائع، وهو ساكت.. فهل ينقطع خيار البائع بذلك؟ فيه وجهان: أحدهما: ينقطع خياره بذلك؛ لأن رضاه بذلك اختيار منه للإمضاء. والثاني: لا ينقطع خياره بذلك؛ لأنه لم يوجد منه إلا السكوت، وذلك لا يسقط حقه، كما لو رأى رجلا يحرق ثوبه، وهو ساكت.. فإنه لا يسقط بذلك حقه. وقال الصيمري: فإن قال البائع - في حال الخيار -: لا أبيع حتى تزيدني في الثمن، وقال المشتري: لا أفعل، أو قال المشتري: لا أشتري حتى تنقص لي من الثمن، وقال البائع: لا أفعل.. كان ذلك اختيارا للفسخ. وهكذا: إذا طلب البائع حلول الثمن المؤجل، أو طلب المشتري تأجيل الثمن الحال.. كان ذلك فسخا في حال الخيار. حكاه الصيمري.
أحدهما: يبطل؛ لأن ذلك تصرف يفتقر إلى الملك. والثاني: لا يبطل؛ لأنه يحتمل أنه ركبها للتجربة، فلا يبطل خياره بذلك.
وقال مالك: (لا يلزم بمضي مدة الخيار). دليلنا: أن شرط الخيار ثلاثا يمنع من لزوم حكم العقد، فإذا انقضت.. ثبت موجب العقد، كالأجل إذا انقضى.. ثبت الدين، ولأن ترك الفسخ رضاء بالعقد، فلزمه.
وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد رحمة الله عليهم: (يبطل خياره بموته). دليلنا: أنه خيار ثابت في معاوضة محضة، فقام الوارث فيه مقام المورث، كالرد بالعيب. فقولنا: (ثابت) لأنه ليس لأحد أن يدفعه عنه، وفيه احتراز من خيار القبول في البيع، فإن البائع إذا قال: بعتك.. فإن الخيار في القبول قد ثبت للمشتري، ولكن للبائع أن يدفعه قبل القبول، ويقول: قد أبطلت الإيجاب. وقولنا: (في معاوضة محضة) احتراز من المكاتب، فإنه لو مات لم يقم غيره مقامه في خيار الفسخ. إذا ثبت هذا: فإن علم الوارث بالبيع، وبموت مورثه عند موته.. فله الخيار فيما بقي من مدة الخيار، وإن لم يعلم بهما، أو بأحدهما حتى مضت مدة الخيار.. ففيه وجهان: أحدهما: يثبت له الخيار في قدر ما بقي من مدة الخيار من حين علم؛ لأنه لما انتقل الخيار إلى غير من شرط له بالموت.. وجب أن ينتقل إلى غير الزمان الذي شرط فيه. والثاني: يثبت له الخيار على الفور؛ لأن المدة التي شرط فيها الخيار قد فاتت، فسقطت، وبقي الخيار، فكان على الفور، كالرد بالعيب.
وقال في (كتاب المكاتب): (إذا باع المكاتب شيئا، أو اشترى شيئا، ثم مات في مجلس البيع قبل التفرق أو التخاير.. وجب البيع). وظاهر هذا: أن الخيار يبطل بموته، واختلف أصحابنا فيهما على ثلاث طرق: فـ[الطريق الأول منهم من قال: لا يبطل الخيار في الحر، ولا في المكاتب، قولا واحدا. وقوله في (المكاتب): (وجب البيع) أراد: أنه لا يبطل البيع، كما تبطل الكتابة، وقصد به الرد على قوم قالوا: يبطل البيع. والثاني: منهم من قال: بل أراد: أنه يبطل الخيار في بيع المكاتب، ولا يبطل في حق غيره على ظاهر النصين. والفرق بينهما: أن السيد ليس بوارث للمكاتب، وإنما يعود المكاتب رقيقا، فيستحق السيد بحق الملك، فلا ينوب منابه في الخيار بخلاف الحر. والثالث منهم من نقل جوابه في كل واحدة منهما إلى الأخرى، وخرجهما على قولين: أحدهما: يبطل؛ لأنه إذا بطل بالتفرق.. فلأن يبطل بالموت أولى. والثاني: لا يبطل، وهو الصحيح؛ لأن خيار المجلس آكد من خيار الشرط؛ لأنه يثبت بمقتضى العقد، وخيار الشرط لا يثبت إلا بالشرط، فإذا لم يبطل خيار الشرط بالموت.. فلأن لا يبطل خيار المجلس أولى. فعلى هذا: إذا كان الوارث حاضرا في مجلس البيع.. ثبت له الخيار إلى أن يتفرقا عن مجلسهما، أو يتخايرا، وإن كان غائبا عن مجلس البيع، وبلغه موت مورثه والبيع.. ففيه وجهان: أحدهما: وهو المشهور -: أن له الخيار إلى يفارق مجلسه الذي هو فيه، فإن فارقه قبل أن يفسخ، أو قام الثاني من المتبايعين من مجلسه.. لزم العقد. والثاني - حكاه ابن الصباغ -: أن الخيار للوارث إذا نظر إلى السلعة ليعرف الحظ في الفسخ، أو الإجازة. وإن ورث خيار المجلس جماعة، وكانوا في مجلس واحد، أو مجالس.. نظرت: فإن فارقوا جميعا مجلسهم، أو مجالسهم.. لزم العقد في حقهم. وإن فارقوا مجلسهم، أو مجالسهم إلا واحدا.. لم يلزم العقد؛ لأنه لم يحصل تمام الافتراق؛ لأنهم ينوبون جميعا مناب الميت، فإن اختار واحد الإجازة، واختار الباقون الفسخ.. ففيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ: أحدهما: يقدم الفسخ، كالمتعاقدين إذا اختار أحدهما الفسخ، والآخر الإجازة. والثاني: لا ينفسخ بقول بعضهم، كما لا يلزم بتفرق بعضهم. وإن اختار بعضهم فسخ نصيبه فيه.. لم يكن له ذلك، كما لو فسخ المورث البيع في بعض المبيع.
أحدها: أنه لا ينتقل إلا بشرطين: العقد، وانقطاع الخيار؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل متبايعين فلا بيع بينهما ما لم يتفرقا». ومعلوم أنه لم يرد به: أنه لا عقد بينهما؛ لأن العقد قد وجد، فعلم أنه أراد: لا حكم للبيع بينهما ما لم يتفرقا، فثبت أن المشتري لم يملك، ولأن البائع لما ملك أن يفسخ مع سلامة الثمن... دل على أن المشتري لم يملك أصله بأصل القبول. فقولنا: (مع سلامة الثمن) احتراز من البائع إذا وجد بالثمن عيبا. والقول الثاني: أن الملك موقوف مراعى فإن مضت المدة، ولم يفسخا.. تبينا أن المشتري ملك بنفس العقد، وإن فسخا.. تبينا أنه لم يملك، وأن الملك كان للبائع؛ لأنه لا يجوز أن يقال: إن المشتري قد ملك بالعقد؛ لأن للبائع أن يفسخ البيع ويزيله، ولا يجوز أن يقال: إن الملك لم يزل عن البائع؛ لأن سبب زوال الملك هو العقد، وقد وجد، فلم يبق إلا أن نقول إنه موقوف مراعى. قال الشيخ أبو حامد: وهذا أضعف الأقوال. والقولُ الثالث: أن المِلك ينتقل إلى المشتري بنفس العقد؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من باع عبدًا وله مالٌ.. فمالُه للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع». فظاهر هذا: أنه إذا اشترطه المبتاع.. كان له بالشرط والعقد، فمن قال: إنه لا يملكه بالعقد الشرط.. فقد خالف ظاهر الخبر، ولأنه معاوضة توجب التمليك، فملك بنفس العقد كالمهر في النكاح، وفيه احترازٌ من الكتابة. قال الشيخ أبو حامد: وهذا أصح الأقوال. وأما صاحبُ "الإبانة" [ق\236] فقال: الصحيحُ: إن كان الخيار لهما.. فالملك موقوف، وإن كان لأحدهما.. فالملك لمن له الخيار. وقال أبو حنيفة: (إن كان الخيار لهما، أو للبائع.. لم يملك المشتري إلا بانقضاء الخيار، فإذا مضى الخيار زال ملك البائع، وملك المشتري بالعقد السابق، وإن كان الخيار للمشتري وحده.. فالمِلك قد زال عن البائع، ولم ينتقل إلى المشتري حتى تمضي مُدة الخيار، فإذا مضت.. ملك المشتري بالعقد السابق). وتوجيه الأقوال دليل عليه. إذا ثبت هذا: فإن كان المبيع جارية، فأعتقها البائع قبل انقضاء الخيار.. فقد ذكرنا: أنه يكون اختيارًا منه للفسخ، وينفذ عتقه على الأقوال كلها؛ لأنها إن كانت باقية على ملكه.. فقد أعتق ملكه، وإن قلنا: إنها في ملك المشتري، إلا أن البائع يملك الفسخ، فجعل العتق فسخًا.. فينفذ، وإن أعتقها المشتري بغير إذن البائع، فإنه يكون اختيارًا منه للإمضاء، وهل ينفذ عتقه؟ ينظر في البائع: فإن اختار إجازة البيع بعد عتق المشتري، فإن قلنا: إن المشتري يملك بنفس العقد، أو الملك موقوف.. نفذ عتقه؛ لأنه صادف ملكه. وإن قلنا: إنه لا يملك إلا بشرطين.. لم ينفذ عتقه؛ لأنه أعتق قبل أن يملك. وإن اختار البائع الفسخ بعد عتق المشتري، فإن قلنا: إن المشتري لا يملك إلاَّ بشرطين، أو قلنا: الملك موقوفٌ.. لم ينفذ عتقه؛ لأنه لم يصادف ملكه. وإن قلنا: إنه يملك بنفس العقد.. فالمنصوص وهو قول الأكثرين من أصحابنا: (أنه لا ينفذ عتقه)؛ لأنه أعتق ما لم يتم ملكه عليه؛ لأنّ للبائع الفسخ، ولأن عتق المشتري إجازةٌ، وفسخ البائع فسخ، وإن وجد من أحدهما الفسخ، ومن الآخر الإجازة.. قدم الفسخ وإن كان متأخرًا. وحكى الشيخ أبو حامد: أن أبا العباس بن سريج قال: ينفذ عتقه، ولم يفصل بين الموسر والمعسر. واختاره الشيخ أبو حامد؛ لأن عتقه صادف ملكه، كما لو أجاز البائع البيع. وأما القاضي أبو الطيب: فقال: إنما ينفذ العتق عند أبي العباس إذا كان المشتري موسرًا، وإن كان معسرًا.. لم ينفذ، ولم يذكر في "المهذب" و"الشامل" عن أبي العباس غير هذا. فإن قلنا بالمنصوص.. أخذ البائع عبده، وإن قلنا بقول أبي العباس.. ففيما يرجع به البائع وجهان: أحدهما: أنه يرجع بقيمة العبد؛ لأن البيع قد انفسخ في العبد، وتعذّر الرجوع إلى عين العبد، فرجع إلى قيمته، كما لو تلف. والثاني: يرجع إلى الثمن، فيكون العتق هاهنا مقرِّرًا للبيع، ومبطلا للفسخ، والأول أظهر. وإن أعتق المشتري العبد بإذن البائع.. نفذ عتقه، وبطل خيارُهما؛ لأنهما قد رضيا بإمضاء البيع.
قال ابن الصباغ: يجري ذلك مجرى المشتري إذا اشترى جارية فأعتقها قبل انقضاء الخيار، على التفصيل الذي ذكرناه.
قال القاضي أبو الطيب: وهذه من النوادر في أنه يملك عتق كل واحدٍ منهما على الانفراد، وإذا أعتقهما معًا.. عتق أحدُهُما بعينه. وقال أبو حنيفة: (يعتقان). وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يملك إعتاق أحدهما بعد الآخر، فلم يملك الجمع بينهما، كعبده وعبد غيره. فإذا ثبت هذا: فأيُّهما يعتق عليه؟ فيه وجهان: أحدُهما ـ وهو قول ابن الحدَّاد، واختيار أكثر أصحابنا ـ أنه يعتق العبد الذي اشتراهُ؛ لأن عِتقه للعبد إمضاءٌ، وعتقه للأمة فسخ. وإذا اجتمع في حق من له الخيار ما يوجب الفسخ والإتمام.. كان الإتمام أولى؛ لأن الإتمام حق عليه لصاحبه، ولأن عتق الأمة يترتب على فسخ البيع، وعتق العبد لا يترتب على واسطة، فإذا كان كذلك.. كان العتق يسبق إلى العبد بلا واسطة قبل الأمة، فعتق، ولم تعتق الأمة. والوجه الثاني ـ ولم يذكر ابن الصبّاغ غيره ـ: أنَّه يعتق عليه ما باع؛ لأن عتقه لما باع فسخ، ولما اشترى إجازة، وإذا اجتمع الفسخ والإجازة.. قدم الفسخ.
وإن باع المشتري، أو وهبه، فإن كان بغير رضا البائع، والخيار لهما، فإن فسخ البائع البيع.. انفسخ البيع الأول، ولم يصح البيع الثاني؛ لأن له حق الفسخ. وإن أجاز البائع البيع، فإن قلنا: إن المشتري لا يملك إلاّ بشرطين.. لم يصح بيعه. وإن قلنا: إنه يملك بنفس العقد أو الملك موقوف.. فهل يصحُّ بيعُهُ؟ فيه وجهان: أحدُهما: يصح بيعه؛ لأنه صادف ملكه. والثاني: لا يصحُّ؛ لأنه باع عينا تعلق بها حق غيره، بغير إذنه.. فلم يصح، كالراهن إذا باع الرهن. وإن باعه المشتري، أو وهبه بإذن البائع.. ففيه وجهان: أحدهما: لا يصح بيعه؛ لأنه ابتدأ به قبل أن يتم ملكه عليه. والثاني: يصح بيعه؛ لأن المنع من التصرف لحق البائع، وقد رضي. قال ابن الصبّاغ: وعلى الوجهين جميعًا قد لزم البيع الأول، وسقط الخيار فيه. وإن كان الخيار للمشتري وحده، فباع، أو وهبَ.. قال المسعودي [في "الإبانة" ق\236] فيه ثلاثةُ أوجه: أحدها ـ وهو الأصح ـ: أنه يبطل الخيار في الأول، ويصح في الثاني. والثاني: لا يبطل الخيار في الأول، ولا يصح البيع الثاني. والثالث: يبطل الخيار في الأول، ولا يصح في الثاني.
قال الصيمري: فإن اشترى زوجته، وأراد وطأها قبل انقضاء الخيار.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لم يحل له ذلك؛ لأنه لا يدري أيطأ بالملك، أم بالزوجية؟). وحكى الشاشي في " حلية العلماء " وجهًا آخر: أنه يحل له. وليس بشيء. فإن قال لها بعد الشراء، وقبل انقضاء الخيار: أنت طالق، فإن أمضيا العقد، فإن قلنا: إنه يملك بالعقد، أو الملك موقوف.. لم يقع طلاقه. وإن قلنا: إنه لا يملك إلا بشرطين.. وقع طلاقه. وإن فسخا البيع، فإن قلنا: إنه لا يملك إلا بشرطين، أو الملك موقوفٌ.. وقع طلاقه. وإن قلنا: إنه يملك بنفس العقد.. فهل يقع طلاقه؟ فيه وجهان، حكاهما الصيمري. |